من المصطلحات الصوفية الفناء والبقاء.
تعريف الفناء – لغة-: “نَقِيض الْبَقَاءِ، وَالْفِعْلُ فَنَى يَفْنَى نَادِرٌ؛ عَنْ كُرَاعٍ، فَنَاء فَهُوَ فانٍ” .
تعريف البقاء – لغة-: “ضِدُّ الفَناء، بَقِيَ الشيءُ يَبْقَى بَقَاءً وبَقَى بَقْياً”
تعريف الفناء والبقاء -اصطلاحاً-:”الفناء كما أشار قوم: سقوط الأوصاف المذمومة، والبقاء إلى قيام الأوصاف المحمودة به” .
فالعبد إما أن يتخلى عن الأوصاف المذمومة فيبقى بالأوصاف المحمودة، وإما العكس.
وقيل الفناء: “أن يفنى عن الحظوظ فلا يكون له في شيء حظ، بل يفنى عن الأشياء كلها شغلاً بمن فنى فيه، والبقاء يعقبه أي يفنى عما له ويبقى بما لله تعالى” .
وقيل الفناء:”هو الغيبة عن الأشياء كما كان فناء موسى حين تجلى ربه للجبل، وقيل هو تلاشي بالحق، والبقاء هو الحضور مع الحق” .
قال إبراهيم بن شيبان: “علم الفناء والبقاء يدور على إخلاص الوحدانية وصحة العبودية، وما كان غير هذا فهو من المغاليط والزندقة”، وقال الجنيد: “الفناء استعجام الكل عن أوصافك واشتغال الكل منك بكليته” .
ففناء العبد عن أفعاله الذميمة، وأحواله الخسيسة: بعدم فعل هذه الأفعال، وفناء عن نفسه، وعن الخلق: بزوال إحساسه بنفسه وبهم .
وإذا قيل: فنى عن نفسه؛ وعن الخلق، فنفسه موجودة، والخلق موجودون. ولكنه لا علم له بهم ولا به، ولا إحساس، ولا خبر، فتكون نفسه موجودة، والخلق موجودون ولكنه غافل عن نفسه وعن الخلق أجمعين، غير محس بنفسه وبالخلق .
فالفناء عند الصوفية هو قمة التوحيد، وهو: “ادراك ذوقي لامتناهي في حالة شعور عميق بوحدة شاملة تغيب فيها معالم فردية الصوفي وشخصيته ولا يبقى ماثلاً أمامه سوى الله سبحانه وتعالى” .
فالفناء هو حال عند الصوفية، ومقام باعتباره علامة للوصول إلى الحضرة الإلهية، وبه يفقد السالك شعوره بنفسه وبالأخرين حتى يصل للحضرة الإلهية، ويكون مركز على ما يشاهده بعين قلبه، وهو درجات الفناء عن شهود السوى، والفناء عن إرادة السوى، وفناء الفناء وهو أعلاها.
والفناء في التوحيد أن لا يرى في الوجود إلا واحد الله سبحانه وتعالى، وهو قمة الغاية التي يهدف لها الصوفي للوصول للحضرة الإلهية .
وفناء الفناء أن يفنى عن رؤية فناءه، كما قال الشاعر:
فأفنوا ثم أفنوا ثم أفنوا وأبقوا بالبقاء في قرب حبه
فالفناء الأول يكون عن صفاته، ونفسه، وبقائه بصفات الحق.
والفناء الثاني يكون عن صفات الحق بشهوده الحق.
والفناء الثالث يكون عن شهود فنائه بإستهلاكه في وجود الحق
فالفناء هو عدم رؤية الدنيا وما فيها من متاع وزينة، ويكون القلب معلق فقط بالحق.
ومقام الإفناء من مقام الإحسان أي إخلاص العبادة لله تعالى وحده، دون أي هدف دنيوي لذلك وعدم رؤية أي شيء سوى عبادة الله تعالى.
والفناء صفة مكتسبة فيأتي بالاجتهاد والإخلاص العبادة لله تعالى، وأوئل الأمر التوبة، ثم ينتقل لمقام الخوف، ثم إلى مقام الرجاء، ثم مقام الصالحين، ثم مقام المريدين، ثم المطيعين، ثم المحبين، ثم ينتقل إلى المشتاقين، ثم إلى مقام الأولياء، ثم منه إلى مقام المقربين ،وهو أني (غير دائم) فيزول بسرعة.
وفكرة الفناء عند الصوفية متشابه جداً لفكرة النيرفانا عند البوذية، ومن قال أن الصوفية أصلها غير اسلامي فيعتمد على هذا التشابه، فالنيرفانا تقوم على أن هذا الوجود هو عذاب وشقاء، ويهدف للوصول لهذه المرحلة للتخلص من الشقاء ليتلاشى وجوده تماماً، دون أن يكون له عودة إلى الحياة، فهي سعادة سلبية بالتلاشي الكامل والنهائي من الوجود أما الفناء عند الصوفية فهو فناء عن إدراك الذات وإدراك الآخرين ويصاحبه البقاء في الوجود الإلهي، وهي حاله تمر بالصوفي ثم ما يلبث أن يرجع إلى وجوده العادي وهي سعادة إيجابية بإدراك الوجود الإلهي والاتصال به . (المصادر: رسالة القشيري، عوارف المعارف، لسان العرب، التصوف الثورة الروحية في الإسلام، مدخل إلى التصوف الإسلامي، التصوف السني حال الفناء بين الجنيد والغزالي، ، سير أعلام النبلاء)